أيها
المجرم الفاتكـ الذي يسلب الخزائن نفائسها , و الأجسام أرواحها , لست أحمل
عليكـ من العتب فوق ما يحتمله ذنبكـ , و لا أنظر إليكـ بالعين التي نظر بها
إليكـ القاضي الذي قسا في حكمه عليكـ , لأني أعتقد أن لكـ شركاء في
جريمتكـ . فلا بد لي من أن أنصفكـ , و إن كنت لا أستطيع أن أنفعكـ .
شريككـ في الجريمة أبوكـ , لأنه لم يتعهدكـ بالتربية في صغركـ , و لم يحل
بينكـ و بين مخالطة المجرمين . بل كثيرا ما كان يبخبخ لكـ إذا رآكـ هجمت
على تربكـ و ضربته , و يصفق لكـ إذا رأى أنكـ تمكنت من اختلاس درهم من
جيب أخيكـ , أو اختطاف لقمة من يده , فهو الذي غرس الجريمة في نفسكـ و
تعهدها بالسقيا حتى أينعت و نمت و أثمرت لكـ هذا الحبل الذي أنت معلق به
اليوم , و ها هو ذا الآن يذرف عليكـ العبرات , و يصعد الزفرات , و لو عرف
أنها جريمته , و أنها غرس يمينه لضحكـ مسرورا بغفلة الشرائع عنه و سجد لله
شكرا على أن لم يكن حبلكـ في عنقه و جامعتكـ في يده . شريككـ في الجريمة
هذا المجتمع الفاسد الذي أغراكـ بها , مهد لكـ السبيل إليها , فقد كان
يسميكـ شجاعا إذا قتلت , و ذكيا فطنا إذا سرقت , و عالما إذا احتلت , و
عاقلا إذا خدعت , و كان يهابكـ هيبته للفاتحين , و يجللكـ إجلاله للفاضلين ,
و كثيرا ما كنت تحب أن ترى وجهكـ في مرآته وجها أبيض ناصعا , فتتمنى أن لو
دام لكـ هذا الجمال ؛ و لو أنه كان يؤثر نصحكـ و يصدقكـ الحديث عن نفسكـ
لمثل لكـ جريمتكـ بصورتها الشوهاء , و هنالكـ ربما وددت يجدع الأنف لو
طواكـ بطن الأرض عنها و حالت المنية بينكـ و بينها . شريككـ في الجريمة
حكومتكـ ؛ لأنها كانت تعلم إن الجريمة هي الحلقة الأخيرة من سلسلة كثيرة
الحلقات . و كانت تراكـ تمسكـ بها حلقة و تعلم ما سينتهي إليه أمركـ فلا
تضرب على يدكـ , و لا تعترض سبيلكـ ؛ و لو أنها فعلت لما اجترمت , و لا
وصلت إلى ما إليه وصلت . كانت حكومكـ تستطيع ان تعلمكـ و تهذب نفسكـ , و
أن تغلق بين يديكـ أبواب الحانات و المواخير , و أن تحول بينكـ و بين
مخالطة الأشرار بإبعادهم عنكـ و تشريدهم في مجاهل الأرض و مخارمها .. و أن
تعديكـ على قتيلكـ قبل أن يبلغ حقدكـ عليه ما بلغه من نفسكـ .. و أن تحسن
تأديبكـ في الصغيرة قبل أن تصل إلى الكبيرة .. و لكنها أغفلت أمركـ فنامت
عنكـ نوما طويلا .. حتى إذا فعلت فعلتكـ استيقظت على صوت صراخ المقتول ..و
شمرت عن ساعدها لتمثل منظرا من مناظر الشجاعة الكاذبة .. فاستصرخت جندها ؛ و
استنصرت قوتها و أعدت جذعها و جلادها ؛ و كان كل ما فعلت لها أنها أعدمتكـ
حياتكـ . هؤلا ء شركاؤكـ في الجريمة .. و أقسم لو كنت قاضيا لأعطيتكـ من
العقوبة على قدر سهمكـ في الجريمة و لجعلت تلكـ الجزوع قسمة بينكـ وبين
شركائكـ و لكني لا أستطيع أن أنفعكـ . فيا أيها القتيل المظلوم : رحمة
الله عليكـ .